بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
مدخل لعلاقة البصيرة بالنور والبصر بالضوء - "العين الثالثة"
سقراط الاشقر في السبت يوليو 05, 2008 7:44 pm
."من اللابداية ينبعث النور،
إلى اللانهاية...
عبر وسطائه،
عبر حالاته،
الرقم والنغم واللون.
انطلاقة اللون انبثقت من الضوء،
والضوء حامل اللون،
حامل طيف الألوان السبعة،
أشعة الشمس،
إشعاعات الحياة"
(من كتاب الإيزوتيريك "وجدانيات")
تنتشر طاقة النور في جميع أبعاد الكون، وتتفاعل مع الإنسان في كل بُعد من أبعاد وعيه. تلتفّ بأشعةٍ لونية في طبقات الوعي العليا، وإشعاعاتٍ متشعبة في الطبقات الدنيا، علماً أنها في أدنى انعكاساتها تتـّشح بخيوطٍ ضوئية، يدعوها العلم بجزيئات الفوتونات (Photons) وهي ما تعرف عامةً بالضوء. إن إدراك طبيعة الأردية المختلفة التي يتخذها النور وتفحّص معطياتها والربط فيما بينها يجعلنا نميّز الفارق بين الواقع والحقيقة، بين المادة وأبعاد اللامادة، وبين البصر والبصيرة...
في عالم الظاهر، يبقى الضوء هو العنصر الأشف والأقرب إلى عالم اللامادة، الذي تستطيع أن تدركه حاسة البصر. لذا هو يُشكـّل نافذة بين المادة واللامادة، ينطلق منها الفكر ليبحث في أسرار النور بعد استيعاب ماهية الضوء. والفكر يبدأ بمفهوم البصر ليصل إلى غوامض البصيرة، متقصياً ظواهر الألوان المرئية من حوله ومستلهماً من معادلات الأشعة الكونية والإنسانية التي يتكوّن أصلاً منها! فهو بات لا يستطيع أن يبحث في أسرار النور إلا بعد استيعاب ماهية الضوء. لذلك سنستهل البحث في ماهية الضوء وطبيعته، كونه أحد انعكاسات النور في عالم الأرض.
ما هي طبيعة الضوء؟
هل الضوء مادي، كما اعتقد علماء الفيزياء (على مثال نيوتن) في القرن السابع عشر؟ هل هو موجة (Wave) كما أضاف العلماء لاحقاً (على مثال هويغنز)؟ أو يا ترى هو الاثنين معاً، تماوجاً ومظهراً، كما تشرحه الفيزياء الكميّة (Quantum Physics) منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم؟ غير أن علوم الفيزياء هذه لا تزال تتساءل عن المصدر والمحرّك وراء موجة الضوء، وكأنها وصلت إلى عتبة الحقيقة (الذبذبة اللامادية)، لكن من دون أن تطرق بابها!
إن النظريات السابق ذكرها تنطبق جميعها على الضوء، كونه يحوي المادة - المظهر، ويحوي الموجة أيضاً، وهذا غير مفاجئ، لأنَّ الازدواجية أساس تكوين كلّ شيء على الأرض، حتى الضوء. لكن ازدواجية الضوء هذه (أي المادة والموجة) ليست سوى استنتاجات ظاهرية توصّل إليها المختبر العلمي، لا تحدد أساس تكوين الضوء ولا تفسر حقيقته. وتـُعتبر تلك النتائج في خانة المسلمات (Postulates)، إذا لم يكن بعضها في خانة الفرضيات (Hypothesis)، باعتبار أنها لم تبرهَن فعلياً بعد ولم يتمكن العلماء حتى اليوم من رؤية كريات الضوء (الفوتون - Photons) على المكبّر.
في هذا الصدد، يشرح كتاب الإيزوتيريك "الزمن والنسبية والباطن" أن الجزيئات الماديّة (كريات الفوتون) هي رداء تتخذته ذبذبات أشعة النور بعد أن دخلت مدار الأرض، وذلك من خلال تكثف درجة التذبذب وتباطئها. وهي الرداء الذي ينسجه الفكر والتحليل العلمي لتفسير نتائج الاختبارات والظواهر المتأتية عن تفاعلات الذبذبة. أمّا الموجة (Wave) التي يعتمدها العلم، فلا وجود لها من دون مصدرها (الذبذبة)، إنما هي مقياس لدرجة التذبذب السابق ذكرها، ونتيجة للحركة التي تسببها الذبذبة. لذلك تعجز العلوم عن اعتبار الضوء كجسيمات مادية (Photons) وموجة (Wave) في الوقت نفسه.
علاقة الموجة بالذبذبة هي كعلاقة النوتة بالنغم، أو اللون بالضوء... أو المحيط بالمحور الذي يتفاعل ضمنه! من جهة أخرى، إن ذلك المقياس أو تلك الموجة هي بمثابة لغة النور التي تتفاعل معها الحواس الجسديّة والفكر، حينما عجزت هذه عن فهم ذبذبة النور مباشرة. وعلوم الإيزوتيريك تحدد أن الذبذبة قائمة على حركة يفهمها الفكر رقماً، وتسمعها حاسة السمع نغماً، وتتلقّاهاً حاسة البصر لوناً.
إذاً، ما علاقة الضوء بحاسة البصر؟ وما علاقة النور بالبصيرة، أو بحواس البصر الباطنيّة المختلفة؟
تفيد الفيزياء أن حاسة البصر المادية لا تدرك الأشياء من حولها، إلاّ في حال كان الضوء مسلطاً عليها. ذلك لأنّ جزيئات الضوء أو الفوتونات (Photons) تنتشر في الأجواء وتصطدم بالأشياء الكثيفة فتنعكس عليها لتنطلق من جديد في الأرجاء ونحو العين. بذلك تنقل في إشعاعاتها المعلومات والمعطيات الخاصة بتلك الأشياء (كلونها وشكلها...) لتتعرف العين إليها بواسطة تفاعلات كيميائيّة فيها. هكذا تدرك حاسة البصر المعطيات التي تتواجد حولها وتنقلها في رسائل عصبيّة إلى المنطقة المعنيّة في الدماغ لتفسيرها.
والمقصد من هذا الوصف العلمي لما يجري في عملية البصر وما يحيط بها هو الإشارة إلى دور الضوء في نقل المعلومات والمعطيات وحملها للإنسان، من خلال العينين (حاسة البصر)، وكأنه يبني خطوط تواصل بين قطبين هما الإنسان ومحيطه، أي المحور والدائرة... علماً أن الإنسان العادي لا يشعر بذلك، بل ينظر حوله وحسب، متلقياً المعطيات دونما التساؤل عن العنصر الذي ينقلها إليه!
من الملاحظ أن الأشياء الشفافة كالهواء والغازات والفراغات... لا تدركها حاسة البصر عادة كون الضوء يمر عبرها دونما التفاعل معها فضلاً عن أن العين تتكوّن من مادة وتستطيع أن تلتقط عامة ما هو كثيف أو مادي، على خلاف مراكز الإنسان الباطنية اللامادية. كذلك الأشياء التي يحجبها عازل مادي، لا تدركها أيضاً حاسة البصر، باعتبار أن كثافة العازل المادي تحول دون وصول الضوء المرئي، وأن البصر محدود في مركز العين. مثالٌ على ذلك: لا تستطيع العين المجردة رؤية شخص في الغرفة المجاورة أو رؤية منزل وراء الجبل... لكن هل الكيان الإنساني محدود بمقدرات حواسه الماديّة وتفاعلات الدماغ، ورهنٌ لخصائص الضوء المرئي، أم أن هناك وسائل أخرى يلمس بها أو يبصر بها ما حجبته كثافة المادة، أو ما لم يتفاعل معه الضوء؟
الجواب يكمن كالعادة في النواحي الخفيّة من الكيان، في تلك الحواس اللامادية (كالبصر الباطني أو البصيرة...) التي لا تعتمد على الضوء لينقل إليها المعطيات، بل تعتمد على الانعكاسات الأرقى والأكثر شفافية للنور.
نعود إلى الإشارة أن الإنسان، كما تعرِّفه علوم الإيزوتيريك، مكوّن من ستة أجسام باطنيّة بالإضافة إلى الجسد المادي. وهذه الأجسام متداخلة فيما بينها، ولكن على درجة تذبذب مختلفة. ولكلّ من هذه الأجسام الباطنيّة بصر باطني! كأنما لكلّ ذبذبة منها عين ترى فيها كل ما هو من طبيعتها أو من طبيعة أقل شفافية منها... فتستشف من خلاله المعطيات المتواجدة على درجة تذبذبها، وذلك بتمددها نحوها على شكل مدٍّ وجزر... ريثما تتمكن من استيعاب تفاصيل مكنوناتها. أمّا الأشعة التي تتفاعل مع الحواس الباطنيّة وتنقل لها المعطيات، فهي أشف من فوتونات الضوء كونها أرديةٍ للنور في الطبقات الأرقى من المادة.