الطمع يقل ما جمع
استيقظ الذئب من مكمنه على صوت حفيف أقدام على الأرض، فأطل برأسه فى حذر ليتبين من هناك.. فإذا عيناه تبرقان فى فرح، إنه غزال مصاب بسهم فى كتفه.. يقبل نحوه مترنحاً.. ثم سقط على الأرض وهو يلفظ أنفاسه.
خرج الذئب فى حذر، وراح ينظر عن يمين وشمال.. ثم اقترب من الغزال ودار حوله دورتين ثم راح يجره ليخفيه فى مكمنه بعيداً عن الأعين..
صيد ثمين من غير مشقة ولا تعب.
بعد قليل جاء الصياد يتتبع أثر الصيد حتى وجد نفسه أمام الذئب وقد أحكم فكيه على ذراع الغزال يسحبه، فلما رأى الصياد وقف على قدميه وراح يزمجر ويهمهم ليخيفه..
قال الصياد:
- أيها الذئب.. هذا الغزال لى.. أنا قمت بصيده، والسهم المثبت فى كتفه من سهامى.
فقال الذئب:
- إنما هو صيدى أنا.. ولن أدعه لك.
فقال الصياد:
- سأعتبرك شريكى فى صيده، لأن الله ساقه إليك.. فأنا أقبل عن طيب خاطر أن نقتسمه سويا.. لك نصفه، ولى النصف الآخر..
فزمجر الذئب، وكشر عن أنيابه وقال:
- لا أدع منه شيئا.. إنه كله لى.
فقال الصياد:
- أيها الذئب لقد أنصفتك فكن منصفاً.
فقال الذئب متحديا:
- ليس عندى إلا ما سمعت.
فقال الصياد.
- حسن.. ما رأيك لو نحتكم لمن يقضى بيننا بالحق؟
فقال الذئب متشككا فى نوايا الصياد:
- مثل من؟
- القاضى الذى فى البلد القريب من هنا.
فرفض الذئب رفضا قاطعاً، مدعيا أنه لا يثق فى الإنسان، واقترح أن يقضى بينهما الضبع فهو- على حد قوله- حكيم، وسيحكم بينهما بالعدل.
وافق الصياد على مضض، فأرسل الذئب إلى الضبع الذى جاء على عجل، فرأى الصياد والغزال على الأرض وصديقه الذئب، فقال:
- ما الخبر؟
قال الصياد:
- رميت هذا الظبى بسهم لكنه مشى به حتى أتى إلى بيت الذئب، فأنا أقول إنه لى، وهو يقول إنه له هو، ثم عرضت عليه أن نقتسمه فأبى، فاحكم بيننا أيها الضبع الحكيم.
نظر الذئب إلى الضبع نظرة وغمز له بعينه، فرد عليه الضبع بمثلها.. وكأنهما اتفقا معاً على الصياد.
قال الضبع:
- لقد حكمت بأن يقسم الظبى بيننا نحن الثلاثة.. فآخذ أنا الشق الأيمن ويأخذ الذئب الشق الأيسر، وتأخذ أنت الرأس والذيل.
فثار الصياد قائلا:
- هذه قسمة ظالمة.. ولقد جرت العادة أن الذى يقوم بالقسمة يكون آخر من يختار، وأنت قسمت واخترت أولا.
فتظاهر الضبع بالغضب، وقال:
- أتشكك فى نزاهتى.. لن تأخذ إلا الذيل، أما الرأس فسآخذه أنا نظير إهانتك لى.
فنظر الذئب إلى الضبع وقال:
- نقتسم الرأس معاً.
فزمجر الضبع قائلا:
- لا سبيل إلى ذلك، لقد أهاننى أنا لا أنت.
فقال الذئب:
- ولكن هذه قسمة غير عادلة.
فقال الضبع:
- وهل قسمتك مع الصياد كانت عادلة؟..
زمجر الذئب غاضبا ونفش ذيله.. فتجهم الضبع وتوثب للقتال.. وفى لحظة واحدة قفز كل منهما على الأخر.. ودارت بينهما معركة حامية.. وثار الغبار..
حمل الصياد الظبى على كتفيه ومضى مبتعداً عن ساحة القتال المحتدم..
مع أن الذئب أصاب الضبع بجراحات بالغة،إلا أن جراحاته هو كانت أشد.. فما أن سنحت أمامه فرصة للنجاة بنفسه حتى أطلق ساقيه للريح، وتسلق قمة صخرية حتى استقر فوقها، فألقى نفسه على الأرض وهو يلهث بشدة..
وهناك على مدى البصر رأى الصياد حاملا الظبى على كتفيه، منطلقا به، فعضّ أنامله من الندم وقال:
- ليتى لم أطمع ورضيت بنصف الظبى.. ليتنى.. ليتنى.