﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27) يُرِيدُاللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
لو أنه خُلِق قوياً لاستغنى بقوته عن الله فشقي باستغنائه، خلقه ضعيفاً، ليفتقر في ضعفه، فيسعد بافتقاره.
الإنسان ضعيف في جسمه لكن بعقله كشف خصائص الأشياء، سيطر عليها ـ كما يقولونـ حرَّكها لمصلحته، فإذا هو المخلوق الأوّل، والمخلوق المكرَّم، سخَّرأشياء كثيرة لخدمته، صعد إلى الفضاء، غاص في أعماق البحار، بنى أجمل المساكن، ركب أجمل المركبات، طار في الأماكن، هذا العقل الذي أودعه اللهفيه، وجعله أداةً لمعرفته استخدمه استخداماً آخر، فسيطر به على ما سَخَّرَالله له من ألوان الخَلْق، عندئذٍ أصيب بالغرور، الإنسان حينما يسخِّر قِوىالطبيعة لصالحه وينسى ربه، وينسى ضعفه يصاب بالغرور،و يرتكب الأخطاء، ويقع في المحظورات،ويقترف المعاصي، وذلك نتيجةَ الغفلة التي تستوْلي على قلبه، فتحجب بصيرتَه،ويُزيِّن له الشيطان سُبلَ الضلال، فيقع فيما حرَّمه الله عليه، ومهمـابلـغ الإنسانُ من التقوى والصلاح، فإنَّه لا يَسْلم من الوقوع في الأخطاء،ولا يُعصم من المخالفات، فالمعصوم هو نبيُّنا محمَّد - عليه أفضل الصَّلاةوأزكى السلام - فهو القائل: (كلُّ بَني آدمَ خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوَّابون)
الحمد لله الذي وسعتْ رحمته كلَّ شيء، وفتَحَ باب التوبة للمذنبين؛ للرجوعوالإنابة إليه، ووعد بالمغفرة عبادَه التائبين، فهو القائل -
سبحانه(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواتُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَعَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَاالْأَنْهَارُ) (التحريم: )
إنَّ العبد مأمورٌ بالتوبة حتَّى الممات، وإذا كانت التوبة طريقَ الطاعاتوالأعمال الصالحة، فهي تفتح للعبد أبوابًا من المحبَّة، فهذا الطريقُ منأسرع الطُّرق إلى الله - تعالى - وهو يسمَّى بطريق الصبر، يسبق التائب بهاالسعادة.
انّ الإنسان البعيد عن تعاليم السماء والرسالة الإلهية المفعمة بالتعاليم الروحية والمعنوية، تجمح به غرائزه لتخلق منه إنساناً «عنوداً» «لجوجاً» «ظالماً» «حريصاً»، وأمّا الذي يرتوي من معين السماء العذب وينهل من ذلك النبع الصافي ويخشى اللّه تعالى حقّ خشيته فإنّه وبلا ريب ستتحول غرائزه وميوله إلى حالة أُخرى تختلف اختلافاً جوهرياً عن سابقه، بحيث تتحول تلك الغرائز والميول إلى عوامل تأثير إيجابي وبناء في حياته .