السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتـه
شيخـنا عبد الرحمن السحيم حفظكـم الله تعالى/ هذا الموضـوع انتشر في الإنترنت فهل الصـورة تعتبر صحيحة؟ وهل هـذا ينطبق على هـؤلاء النساء كما موضـوع في الصـورة؟
وجزاكـم الله خيرا.
والله الموفـق
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مـما يتوقّف فيه العُلَماء إنْزَال الأحَادِيـث على واقِع مُعيَّن، والْجَزْم بأنّ ذلـك الواقِع هو الْمَقْصُد بالحديـث. ومما فَسَرّ به العُلَماء " أسْنِمَة الـبُخْت الْمَائلَة " مَا يَقرُب من صُورة السَّنـام إذا مَالَ، وهو إمَالَة الشَّعْر عـلى جِهَة، كَفعْل الكافرات أو الفاجِـرات. والْمَعْرُوف في مَيْـل السَّنَام أنه يميل إلى أحَد جانبـي الْجَمَل، فيَكون أشْبَه بالقَصَّة المائلة. ومـما فُسِّر به الْحِديث أيضا تكـبير الرأس بِأن يُلَفّ عليه عمامـة، أو بِجَمْع الشَّعَر فوق الرَّأس أو خَلْفَه بحيث يبدو للـناظِر.
قـال الإمام النووي: وأمَّا " مَائـلات " فَقِيل: مَعْنَاه: عن طاعـة الله ومَا يَلْزَمهن حِفْظه. " مُمِيلات " أي: يُعَلِّمْـن غيرهن فِعْلَهن الْمَذْمُوم. وقِيـل: " مَائلات " يَمْشِين مُتَبَخْتِرَات " مُـمِيلات " لأكْتَافِهن. وقِيل: " مَائـلات " يَمْشِطْن الْمِشْطَة الْمَائلة، وهي مِشْطَة البَغَايـا " مُمِيلات " يَمْشِطن غيرهن تلـك الْمِشْطَة. ومَعْنَى " رُؤوسهـن كأسْنِمَة البُخْت " أن يُكَبِّرْنَها ويُعـظِمْنَها بِلَفِّ عِمَامة أوْ عِصَابة أوْ نَحوهـا. اهـ.
هـذا مِن جِهَـة .
ومِـن جِهَة ثانية فإن الشّكل الْمُصَوَّر فـي السُّؤال هو مَحْذُور شَرْعًـا، إذ ليس الْمُرَاد مِـن الْحِجَاب هو مُجرّد سَتْـر أو تَغطِية الرأس أو البَدن، بـل الْمُرَاد إخفاء معالَم البَدَن، ولذلـك وضَع العُلماء شُرُوطا للحِجاب، وهـي مُسْتَنْبَطَة مِن أدلّة الكِتاب والسنة
فَشَرَطُـوا فيه أن يَكون واسِعا فَضْفَاضًا، وهذا قـد دَلّ عليه قول أسامة بن زيد: كَسَانِي رسـول الله صلى الله عليه وسلم قِبطية كَثيفة كانـت مِمَّا أهْداها دحية الكلبي، فَكَسْـوتُها امْرأتي، فقال لي رسول الله صلـى الله عليه وسلم: مَالك لم تَلبس القِبطـية ؟ قلت: يا رسول الله كَسـَوتُها امْرأتي، فقال لي رسول الله صلـى الله عليه وسلم: مُرْها فَلْتَجْعَل تَحْتَهـا غِلالة، فإني أخاف أن تَصِف حَجْم عظامهـا. رواه الإمام أحمد وغيره، وروى نحـوه أبو داود عن دحية الكلبي رضي الله عـنه.
وشَرَطوا شُرُطا أخْرَى مُسـتَنْبَطَة مِن الكِتاب والسُّـنَّـة .
ولا شـكّ أنَّ ما صُوِّر في السّؤال مِمَّا يُبْـدي حَجم رأس المرأة وحَجم شَعْرِها، ووَضْعـه بِتلك الصَّورة أنه داخِـل دُخُولا أوّليا في اللباس الكَاسـي العَاري، وقد قال عليه الصلاة والسلام: رُبّ كاسِيـة في الدّنيا عَارِيَة في الآخِرَة. رواه البخـاري. قال ابن حجر: كاسِية جَسدهـا، لكنها تَشُدّ خِمَارَها مِن وَرَائها فَيبْدُو صَـدْرَها، فَتَصِير عَارِيَة، فَتُعَاقَب في الآخـرة. اهـ. وهذا ينطبق على مَن تَلْبَس الضَّـيِّق، وعلى مَن تَلْبس العَبَـاءة على الكَتِف، لأنّهَا لا تَسْتُر تَقَاطِيع جَسَدِهـا.
وقـد أوْرَد ابنُ عبد البر ما رواه الإمام مالـك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنـها قالت: دَخَلَتْ حَفصة بنـت عبد الرحمن على عائشة زوج النبـي صلى الله عليه وسلم وعلى حَفـصة خِمَار رَقيق فشقته عائشة وكستها خِمَارًا كَثِيـفًا.
ومـا رواه مالك عن مسلم بن أبي مريـم عن أبي صالح عن أبي هريرة أنـه قال: نساء كاسيات عاريـات مائلات مميلات لا يدخـلن الجنة ولا يجدن ريحـها، وريحها يوجد من مسير خمسمائة سنـة. ثـم قال ابن عبد البر: الْمَعْنَى في هَذين الحديثـين سَواء؛ فَكُلّ ثَوب يَصِف ولا يَسْتُـر فَلا يَجُوز لِبَاسه بِحَال إلاَّ مَع ثَوب يَسْتُـر ولا يَصِف، فإنَّ الْمُكْتَسِيَة بِه عَارِيَـة. اهـ.
وحديـث: " صِنفان من أهل النار لم أرَهمـا: قوم معهم سياط كأذْناب البَقـر يَضْرِبون بِها الناس، ونِسَاء كَاسِيات عَارِيـات، مُمِيلات مَائلات، رُؤوسهن كأسْنِمَـة البُخْت الْمَائلة، لا يَدْخُلْن الْجَنَّة ولا يَجِـدْن رِيحها، وإنَّ ريحها لَيُوجَد مِـن مَسِيرة كَذا وكذا " رواه مسـلم. فالأمْر ليس بالأمْر الْهَيِّـن، بل هو أمْر في غاية الْخُطُـورة.
وهـو سَبب للفضيحة في الآخِرة كـما تقدّم مِن قوله عليه الصلاة والسلام: رُبّ كاسِيـة في الدّنيا عَارِيَة في الآخِرَة “، والْجَـزِاء مِن جِنْس العَمَل، فلَمَّا لم تتستَّر فـي الدُّنيا ولَم يَكُن حَجابـها حِجابا شرْعيا عوقِبَت في الآخِرَة بالفضـيحة والعُرِيّ، وإن كان كلّ أحَدٍ يُحَِر عُريانا إلاَّ أنّهـا تَفتَضِح في ذلك الْموطِن. نسأل الله أن يسترنا فـوق الأرض وتحت الأرض ويـوم العَرْض.. وأن يَسْتُر نِسَاء المسلـمين في الدُّنيا والآخِرة. والله تعالى أعلـم.