أنه لا ريب أن الصلاة قرة عُيون المحبين، ولذة أرواح الموحدين، وبستان العابدين، ولذة نفوس الخاشعين، ومحك أحوال الصادقين، وميزان أحوال السالكين، وهي رحمةُ الله المهداة إلى عباده المؤمنين؛ هداهم إليها، وعرَّفهم بها، وأهداها إليهم على يد رسوله الصادق الأمين، رحمة بهم، وإكراماً لهم؛ لينالوا بها شرف كرامته، والفوز بقربه، لا لحاجة منه إليهم، بل منَّة منه وتفضَّلا عليهم، وتعبَّد بها قلوبهم وجوارحهم جميعاً"1. وقد شرع الله - تعالى - من هذه العبادة العظيمة خمس صلوات يقيمها المسلمون في مساجدهم جماعة، ومن تأمل في حِكَم أدائها في جماعة وجد أسراراً كثيرة، ومقاصد نبيلة، وحكماً جليلة؛ ومن ذلك:
1-أنها تنمي في قلب المؤمن قوة الولاء والحب لإخوانه المؤمنين؛ لكثرة ما يخالطهم هناك، ويسلم عليهم.
2-أنها تجمع الجيران والإخوان في مكان واحد، خلف إمام واحد، في صفوف متساوية، لا فضل فيها لغني على فقير، ولا رفيع على حقير؛ كل بجانب أخيه وجاره؛ مما يشعرهم بعدالة هذا الدين، وسمو مقاصده.
3-أنها تعين المسلم على تفقد إخوانه وجيرانه عندما لا يجدهم في المسجد، فيسأل عنهم، ويسعى لزيارتهم إن كانوا مرضى، أو الدعاء لهم بخير إن كانوا مسافرين.
4-أنها تدرب المسلم على النظام والترتيب؛ عندما يتابع إمامه؛ فلا يتقدمه في الصف، ولا في ركن من أركان الصلاة، ولا يتأخر عنه ((فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإن صلى قائماً فصلوا قياماً))2.
5-وصلاة الجماعة تعلم الصبر والتأني.
6-وهي تعلم المسلمين التوحد، وجمع الكلمة، وتربط بين المسلم ومجتمعه، وتشجعه على نبذ الفوضى والأنانية، والخلاف والشقاق.
الله أكبر! ما أعظم حكمة الله - تعالى - في هذه الشريعة الغراء، وهذا الدين القويم، وما أسمى هذه المقاصد! وأعجب أسرارها، وألطف حِكَمها!.
هذا ونحن لم نقف إلا مع فريضة واحدة من فرائض هذا الدين، فكيف بأسرار الصيام، والزكاة، والحج؟ {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.3
هذا نداء لكل مسلم ومسلمة: إن شهر رمضان المبارك فرصتك للتأمل في أسرار الشريعة، وحِكَم الشعائر والعبادات؛ حتى يقوى الإيمان في القلوب، ويرسخ اليقين في النفوس، ويجد المسلم لذة تلك العبادات
نسأل الله - تعالى - أن يحبب إلينا الإيمان، ويزينه في قلوبنا، وأن يكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وأن يجعلنا من الراشدين؛ إنه قريب مجيب الدعاء، والحمد لله رب العالمين.
م/ن