بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله...
أما بعد:
فكم نمرّ على الكلمات القرآنية في الآيات الكريمة؛ مرورًا ينقصه التدبر! ويعتريه الغفلة!
مما يفوّت علينا معاني عظيمة؛ ينعطف معها مسير حياتنا، وتتغير مفاهيمنا؛ وتسلم قلوبنا؛ لو تدبرناها حق التّدبر!
ومن تلكم الكلمات القرآنية: {أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ}!وذلك في قوله ربنا تبارك وتعالى في سورة: (فاطر):
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}
[الآية: 15]
وقد ذكر العلامة السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيرها ما يجعل المرء يشعر:
بالافتقار إلى ربه وتعالى في كل أمر!
وبالذل بين يديه!
وبالتقصير والتفريط في التوكل عليه وتفويض الأمر إليه!
وبالزهد في الاعتماد عليه!
وبالتالي؛ يشعر بغفلته عن ضرورة تدبر كلام ربه العظيم!
ولنرَ! من منا استحضر المعاني الآتية! وأدرك مدى افتقاره إلى ربه! فسعى إلى تزكية نفسه!
فقد قال العلامة السعديّ ـ رحمه الله ـ:
"يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم،
وأنهم: فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه!
ـ فقراءفي إيجادهم، فلولا إيجاده إياهم، لم يوجدوا!
ـ فقراءفي إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح، التي لولا إعداده إياهم[بها]؛ لما استعدوا لأي عمل كان!
ـ فقراءفي إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة؛ فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور، لما حصل [لهم] من الرزق والنعم شيء!
ـ فقراءفي صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وإزالة الكروب والشدائد؛ فلولا دفعه عنهم، وتفريجه لكرباتهم، وإزالته لعسرهم، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد!
ـ فقراءإليه في تربيتهم بأنواع التربية، وأجناس التدبير!
ـ فقراءإليه، في تألههم له، وحبهم له، وتعبدهم، وإخلاص العبادة له تعالى؛ فلو لم يوفقهم لذلك؛ لهلكوا، وفسدت أرواحهم، وقلوبهم وأحوالهم!
ـ فقراءإليه، في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم؛ فلولا تعليمه، لم يتعلموا، ولولا توفيقه، لم يصلحوا!
ـ فهم فقراءبالذات إليه! بكل معنى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا، ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها!
{وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}أي: الذي له الغنى التام من جميع الوجوه، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه، ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق، وذلك لكمال صفاته، وكونها كلها صفات كمال، ونعوت جلال. ومن غناه تعالى: أن أغنى الخلق في الدنيا والآخرة، الحميد في ذاته، وأسمائه؛ لأنها حسنى، وأوصافه، لكونها عليا، وأفعاله لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة، وفي أوامره ونواهيه، فهو الحميد على ما فيه، وعلى ما منه، وهو الحميد في غناه [الغني في حمده]."