القرينان : مُثني القرين ، والقرين هو المرتبط بشيء آخر مثله ، فهو الصاحب والشريك ، جمعه : قرناء [القاموس المحيط ص 3] فلو قلنا مثلا : أبو بكر قرين محمد ، فمعناه مرتبط به وملازم له ، ولا يذكر أحدهما إلا مع الآخر في أغلب الأحيان ، وقد يقتدي به في أغلب أحواله . قال الشاعر :
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ،،
فكل "قـــــــرين" بالمقارن يقتدي ...
فمثلا : الصلاة قرينة الزكاة كما في قوله تعالى : (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) ذكر هذا النص في آيات عديدة من القرآن الكريم ، وكذلك الذكر والأنثى ، والليل والنهار ، والشمس والقمر ، وغير ذلك .
والقرينان اللذان أريد التحدث عنهما اليوم هما :
المسجد الحرام بمكة المكـــــــــرمة ،
والمسجد الأقصى بالقدس الشريف .
مسجدان من أعظم مساجد الإسلام ، بل هما أعظمها على الإطلاق . واقتران تعظيمهما بكونهما من مساجد المسلمين إنما هو من اقتران الإخوة بين جميع المسلمين في كل مكان وزمان ، فهم (أي: المسلمون) كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر .
اقتران المسجدين في القرآن الكريم :
[1] قال تعالى في مفتتح سورة بني إسرائيل ، وتسمى سورة سبحان ، وتسمى سورة الإسراء : (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ...) فكان تنقله صلى الله عليه وسلم بين أشرف البقاع في الأرض وهي المساجد ، بل بين أعظم مساجدها : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى . وقيل : أسري به من بيت أم هانيء بنت أبي طالب ، ابنة عم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد ترتب على ذلك حكم شرعي ذكره الفقهاء في موضعه .
[2] وقال تعالى : في سورة البقرة : (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) أي : وما شرعنا لك القبلة الأولى وهي المسجد الأقصى التي كنت تصلي إليها وثابتا عليها ثم حولناك عنها اختبارا وامتحانا ، إلا ليثبت بالاختبار والامتحان ويظهر صدق من آمن بك واتبعك اتباعا صادقا ، ممن كان منافقا فكذبك وانقلب على عقبيه خاسرا دنياه وأخراه . ثم قال في آية أخرى : (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) أي : قد رأيناك وأنت ترفع وجهك إلى السماء تدعونا ، فاستجبنا لك دعاءك فحولناك في صلاتك إلى المسجد الحرام ، وهي القبلة التي كنت ترضاها وتريدها وتتوق نفسك إليها .
فحادثة تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام تعكس هذا الاقتران بين المسجدين ، وهذه الميزة (أي : القبلة) لم تكن إلا لهذين المسجدين العظيمين فقط .
[3] وقال تعالى : (والتين والزيتون ، وطور سينين ، وهذا البلد الأمين) فهذه الآيات الثلاث ، إشارة إلى محال ثلاثة بعث الله في كل واحد منها نبيا مرسلا من أولي العزم ، وأصحاب الشرائع الكبار والتي بقي أتباعهم ومن ينتسب إليهم إلى الآن. حتى حُصرت الديانات السماوية المتبقية فيهم ، مع اعتقادنا الجازم أن الإسلام هو الدين الصحيح الذي كتب الله تعالى له الخلود إلى يوم القيامة ، وسلم من التحريف والتغيير والتبديل . وهو دين الله الذي ارتضاه للناس دينا فقال تعالى : (إن الدين عند الله الإسلام) أي لا دين غيره .
ــ أما (التين والزيتون) : فهي إشارة إلى المسجد الأقصى الشريف ، قال كعب الأحبار ، وقتادة ، وابن زيد وغيرهم : هو مسجد بيت المقدس ، نقله عنهم الإمام ابن كثير في تفسيره . فبيت المقدس هو محل التين والزيتون ، وهو الذي بعث فيه سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام ، وبيت المقدس هي مدينة المسجد الأقصى المبارك .
ــ وأما (طور سينين) : فقد نقل الإمام ابن كثير عن كعب الأحبار وغير واحد من الأئمة أنه الجبل الذي كلم الله تعالى عليه سيدنا موسى عليه السلام ، وهو جبل الطور بصحراء سيناء ، وسينين هي سيناء .
ــ واما (البلد الأمين) : فهي مكة المكرمة ، كما قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وإبراهيم النخعي ، وابن زيد ، وكعب الأحبار ، ولا خلاف في ذلك . ومكة المكرمه هي بلد سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومبعثه ، وفيها المسجد الحرام المبارك ، وهي قبلتنا ، وقبلة أشرف الخلق ، وأفضل رسل الله على الإطلاق ، سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم .
وهكذا نرى ذلك الارتباط والاقتران بين المسجدين المباركين في هذه السورة الكريمة (التين والزيتون : إشارة الى المسجد الأقصى) و (البلد الأمين: إشارة إلى المسجد الحرام) . وكأن القرآن الكريم يقول لنا : يا أهل المسجد الحرام وعماره وزواره لا تنسوا قرين مسجدكم واعملوا على تحريره ، ليبقى دائما قرين مسجدكم على مر العصور والأزمان إلى يوم القيامة .
اللهم اجعل المسجدين قرينين تحت إمرة المسلمين إلى يوم القيامة ، اللهم طهر المسجد الأقصى وبيت المقدس من رجس اليهود المجرمين ، وأزلهم وامحهم يارب من أرض فلسطين ، وأخرجهم من جميع ديار المسلمين . اللهم أصلح حالنا وحال أمتنا عامة ، واصلح بلدنا مصر خاصة ، وول عليها من يخافك ويتقيك ويتبع رضالك ويرتجيك . إنك على كل شيء قدير ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
*******************
القرينان في السنة النبوية المطهرة
أما اقترانهما في السنة المشرفة :
[1] ــ روى البخاري وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ! أي مسجد وضع في الأرض أولٌ؟ قال : "المسجد الحرام" . قال : قلت : ثم أيٌ؟ قال : "المسجد الأقصى" . قال: قلت: كم بينهما؟ قال : "أربعون سنة" ، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصل فإنما الفضل فيه" .
ففي هذا الحديث يظهر بجلاء اقتران المسجدين المباركين في هذه الفضيلة ألا وهي كونهما أول المساجد التي وضعت للناس في الأرض ، فهما أول بقعتين اختارهما الله جل وعلا لتكونا مهوى جباه عباد الله الساجدين له سبحانه ، وموطن ورمز العبادة الأول على ظهر البسيطة . ولا يشك عاقل أن هذا دليل وبرهان على اشتراكهما في الفضل والميزة التي اختيرا من أجلها لهذه المهمة العظيمة ، والشعيرة الكبرى ، وعنوان الإيمان في سائر الأديان ألا وهي الصلاة .
[2] ــ روى البخاري أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى" . وهذه الخاصية والميزة وهي شد الرحال إليهما تدل على اقتران المسجدين في الفضل والمنزلة العالية . ومن أجل هذا الفضل الكبير ، والمنزلة الرفيعة ، في قلوب المؤمنين أجيز شد الرحال إليهما خاصة دون غيرهما من المساجد .
وعلى ذلك فلا يجوز شد الرحال إلى مسجد الحسين في مدينة القاهرة ، ولا يجوز شد الرحال إلى مسجد البدوي في مدينة طنطا ، ولا يجوز شد الرحال إلى مسجد إبراهيم الدسوقي بمدينة دسوق كفر الشيخ ، ولا يجوز شد الرحال إلى مسجد عبد القادر الجيلاني في العراق ن ولا إلى العيدروس في بلاد اليمن . لأن قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تشد الرحال إلا ..." أسلوب قصر وحصر بمعنى أنه قصر شد الرحال وحصرها في هذه المساجد الثلاثة ، فلا يجوز شد الرحال لغيرها أيا كانت منزلتها ومكانتها
[3] ــ روى ابن عبد البر في التمهيد وغيره عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة ، وفي مسجدي ألف صلاة ، وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة" وهذا الحديث إسناده ضعيف ، ولكن مع المتابعات يصل إلى مرتبة الحسن ، وقال عنه البزار : هذا إسناد حسن .
وهذه أيضا ميزة مشتركة بين المسجدين المباركين تدل على اقترانهما الدائم في الفضل والخير والبركة .
والمقصد من إبراز هذه هو أن نعلم ونعتقد يقينا أن المسجد الحرام والمسجد الأقصى قرينان في كثير من الفضائل ، ولهما مميزات خاصة بهما ، فوجب الشعور نحوهما بمشاعر الإجلال والتقدير لفضلهما عند الله تعالى ، ولأنهما جزء من عقيدة المسلمين ودينهم .
ولنعلم أيضا تمام العلم أن خصمنا وعدونا (اليهود) يتطلع إلى السيطرة على المسجد النبوي والمسجد الحرام ، كما أعلن ذلك قادته جهرا بعد حرب 1967 م ، فمن رضي برفرفة راية اليهود فوق المسجد الأقصى فكأنما رضي بها فوق الكعبة المشرفة والعياذ بالله تعالى ، وكأنما رضي بها أيضا فوق مسجد سيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن هيهات .. هيهات ، ومن هان عليه ما يحدث للأقصى السليب وما حوله من منكرات أحفاد القردة والخنازير فليعلم أن في إيمانه ضعفا ، وفي عقيدته خللا (ولينصرنت الله من ينصره) [الحج/40] (والله متم نوره ولو كره الكافرون) [الصف/8] .
اللهم اجعل المسجدين قرينين تحت إمرة المسلمين إلى يوم القيامة ، اللهم طهر المسجد الأقصى وبيت المقدس من رجس اليهود المجرمين ، وأزلهم وامحهم يارب من أرض فلسطين ، وأخرجهم من جميع ديار المسلمين . اللهم أصلح حالنا وحال أمتنا عامة ، واصلح بلدنا مصر خاصة ، وول عليها من يخافك ويتقيك ويتبع رضالك ويرتجيك . إنك على كل شيء قدير ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
منقول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ