شرح معنى خواص سور القران
اِعْلَمْ : أنّهُ لاَ أَنْفَعُ لِلْمُرَبِّي وَلاَ غَيْرِهِ مِنْ كِتَابِ اللهِ العَزِيْزِ الذي لاَ يَأْتِيْهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ أَوْ شَيْءٍ صَادِرٍ عَنْهُ فِي حَيَاةِ الْمَرْءِ أَوْ فِي حَتْفِهِ.
ثُمَّ لْتَعلَمْ : أَنَّ كِتَابَنَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ القُرْآنُ العَظِيْمُ مَا مِنْ شَيْءٍ يَطْلُبُهُ الْمَرْءُ لِجَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ إلاَّ وَهُوَ فِيْهِ أَحْسَنُ مَا يِكُونُ ، وَلَيْسَ فِيْهِ مِنْ حَرْفٍ وَاحِدٍ وَلاَ كَلِمَةٍ وَلاَ آيَةٍ وَلاَ سُورةٍ إلاَّ ولَها سِرٌّ خَاصٌّ بِها ، أَوْ أَسْرَارٌ تَتَقَادَحُ مِنْهُ لِعَارفِيْهِ الأَنْوَارُ، وَمَنْ عَرَفَ مِنْهُ ذَلِكَ تَلاشَى عِنْدَهُ غَيْرُهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَكَيْفَ لاَ وَقَدْ قَال فِيْهِ تَعَالى: ?مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ? ]الأنعام:38 [يُقَالُ فَرَّطَ فِي الشَّيْءِ ضَيَّعَهُ وَتَرَكَهُ، أيْ: مَا تَرَكْنَا فِي الْقُرْآن شَيْئاً منَ الأَشْيَاءِ الْمُهِمَّةِ التي بَيَّنَّا أنَّهُ تَعَالى مُرَاعٍ فِيْهِا مَصَالِحَ جَمِيع مَخْلُوقَاتِهِ عَلَى مَا يَنْبَغِي، بَلْ قَدْ بَيَّنَّا كُلَّ شَيْءٍ إِمَّا مُفَصَّلاً أَوْ مُجْمَلاً، أَمَّا الْمُفَصَّلُ فَكَقَوْلِهِ تَعَالى: ?أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ?..الآية ]المائدة:45 [
وَأَمَّا الْمُجْمَلَةُ فَكَقَوْلهِ تَعَالى: ?وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا?
رُوِيَ أنَّ الإمَامَ الشَّافِعِيَّ كانَ جَالِسَاً فِي الْمَسْجِدِ الحَرَامِ، فقَالَ: لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إلاَّ أَجَبْتُكُمْ فِيْهِ من كِتَابِ اللهِ تَعَالى، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا تَقُولُ فِي الْمُحْرِمِ إذَا قَتَلَ الزَّنْبُورَ؟ فقَالَ: لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ! فَقَالَ أَيْنَ هَذَا مِنْ كِتَابِ اللهِ؟ فقَالَ: قَالَ اللهُ تَعَالى: ?وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا? ]الحشر:7 [ُثمَّ ذَكَرَ إِسْنَاداً إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ أنَّهُ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ مِنْ بَعْدِي». ثُمَّ ذَكَرَ إِسْنَادَاً إلى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: "حُرِّمَ قَتْلُ الزُّنْبُور". قَالَهُ فِي "رُوحِ البَيَان" وَ"الزُّنْبُورُ" بِالضَّمِّ ذُبَابٌ لَسَّاعٌ، قَالَهُ في القَامُوسِ، وَفِي "حَياةِ الحيَوَان"، رُبَّمَا سُمِّيَتْ النَّحْلَةُ "زُنْبُوراً" وَقَدْ أجَادَ الشَّيْخُ ظَهِيرُ الدِّينِ بنُ عَسْكَر قَاضِي السَّلامِيَّةِ بقَوْلِهِ:
فِي زُخْرُفِ القَولِ تَزْيِينٌ لِسُلْطَةٍ والْحَقُّ قد يَعْتَريهِ سُوءُ تَغْيِيرِ
تَقُولُ هذا مُجَاجُ النَّحْلِ تَمْدَحُهُ وإنْ ذَمَمْتَ فَقُلْ قَيءُ الزَّنَابِيرِ
مَدْحَاً وَذمّاً وَمَا غَيَّرْتَ مِنْ صِفَةٍ سِحْرُ البَيانِ يُرِي الظَّلمَاءَ كالنُّورِ
وقَالَ تَعَالى:?وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ?]الإسراء :82[ ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ?]يونس: 57 [أيْ: شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ مِنْ أَدْوَاءِ الرَّيْبِ وَأَسْقَامِ الأَوْهَامِ، وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ، فإِنَّهُم يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَ"مِنَ" بَيَانِيَّةٌ قُدِّمَتْ عَلَى الْمُبَيَّنِ اعْتِنَاءً، فإنَّ كُلَّ القُرْآنِ فِي تَقْوِيمِ دِينِ الْمُؤْمِنِينَ وَاسْتِصْلاحِ نُفُوسِهِمْ كَالدَّوَاءِ الشَّافِي لِلْمَرْضَى، ثُمَّ قَال تَعَالى: ? وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً? أيْ: لاَ يَزِيدُ الْقُرْآنُ الكَافِرِينَ الْمُكَذِّبِيْنَ بِهِ، الوَاضِعِينَ لِلأشْيَاءِ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِها مَعَ كَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ شِفَاءٌ مِنَ الأَسْقَامِ إلاَّ هَلاكَاً بِكُفْرِهِمْ وَتَكْذِيْبِهِمْ، وَفِيْهِ إيماءٌ إلى أنَّ مَا بِالْمُؤْمِنِينَ مِنَ الشُّبَهِ وَالشُّكُوكِ الْمُعْتَرِيَةِ لَهُمْ فِي أَثْنَاءِ الاِهْتِدَاءِ وَالاِسْتِرْشَادِ بِمَنْزِلَةِ الأَمْرَاضِ،
وَمَا بِالْكَفَرَةِ مِنَ الْجَهْلِ وَالعِنَادِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ وَالْهَلاكِ، وَفِيْهِ تَعْجِيبٌ مِنْ أَمْرِهِ، حَيْثُ يِكُونُ مَدَاراً لِلشِّفَاءِ وَالْهَلاكِ، كَبَعْضِ الْمَطَرِ يَكُونُ دُرّاً وَسُمَّاً بِاسْتِعْدَادِ الْمَحَلِّ وَعَدَمِ اسْتِعْدَادِهِ.
قلت: وَقَد رَأَيْتُ فِي بَعْضِ الكُتُبِ أنَّ الْمُرَادَ بذَلِكَ المطَرِ مَا يِكُونُ فِي شَهْرِ نَيْسَانَ، وَفِي ذَلِكَ يِقُولُ الشَّاِعُر:
أرَى الإِحْسَانَ فِي الأَحْرَارِ دِيْنَاً وَعِنْدَ النَّذْلِ مَنْقَصةً وَذَمَّاً
كمَا النِّيْسَانُ فِي الأَصْدَافِ دُرَّاً وفِي جَوْفِ الأفَاعِي صَارَ سُمَّاً
واعْلَمْ أنَّ القُرْآنَ شِفَاءٌ لِلْمَرَضِ الجِسْمَانِيِّ أيْضاً، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ وَلَدَهُ مَرِضَ مَرَضاً شَدِيداً قَالَ: حَتَّى أَيِسْتُ مِنْهُ، وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَيَّ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ، فَشَكَوْتُ لَهُ مَا بِوَلَدِي، فَقَالَ لِي: أَيْنَ أَنْتَ مِنْ آيَاتِ الشِّفَاءِ؟ فَانْتَبَهْتُ فَفَكَّرْتُ فِيهَا فَإِذَا هِيَ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالى وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالى: ?وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ? . ?وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ?. ?يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ?. ?وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ?. ?وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِيْنِ?. ?قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ?. قَالَ: فَكَتَبْتُهَا فِي صَحِيفَةٍ ثُمَّ حَلَلْتُهَا بِالْمَاءِ وَسَقَيْتُه إيَّاهَا فَكَأَنَّمَا نَشَطَ مِنْ عِقَالٍ أَوْ كَمَا قَالَ.
وَمَا زَالَ الْأَشْيَاخُ مِنْ الْأَكَابِرِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يَكْتُبُونَ الْآيَاتِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَدْعِيَةَ فَيَسْقُوْنَهَا لِمَرْضَاهُمْ وَيَجِدُونَ الْعَافِيَةَ عَلَيْهَا.
قال الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيِّ رَحِمَهُ اللهُ فِي طَبَقَاتِهِ: ورَأَيْتُ كَثِيرَاً مِنَ المشَايِخِ يَكْتُبونَ هَذِهِ الآيَاتِ لِلْمَرِيضِ ويُسْقَاهَا (أي المريض ) فِي َالإِنَاءِ طَلَبَاً للعافيةِ، وقد قال الله تعالى: ?وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ? أَيْ كُلُّ الْقُرْآنِ شِفَاءٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ لِلتَّبْيِينِ لِأَنَّ كُلَّهُ شِفَاءٌ مِنْ دَاءِ الْجَهْلِ وَمَرَضِ الشَّكِّ .
وَعَن ابنِ عَبَّاسٍ مِنْ كُلِّ دَاءٍ فَقِيلَ فَيُتَبَرَّكُ بِهِ لِدَفْعِ الْمَضَارِّ وَالْمَكَارِهِ. فيشمل الاستشفاء به للمرض الجِسماني والرُّوحاني.
وَأُيِّدَ بِحَدِيثٍ ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيُّ والقرطبي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ لَمْ يَسْتَشْفِ بِالْقُرْآن فَلَا شَفَاهُ اللَّهُ تَعَالى.
قال الشيخُ التَّمِيميّ رحمه الله، في خواص القرآن: إذا كُتِبَتِ الفَاتِحَةُ فِي إِنَاءٍ طَاهِرٍ وَمُحِيَتْ بِمَاءٍ طَاهِرٍ وَغَسَلَ الْمَرِيضُ وَجْهَهُ عُوفِيَ بِإِذْنِ اللهِ، فَإِذَا شَرِبَ مِنْ هذَا الماءِ مَنْ يَجِدُ فِي قَلْبِهِ تَقَلُّبَاً أوْ شَكَّاً أو رَجِيفَاً أو خَفَقَانَاً ، فإنه يَسْكُنُ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالى، وَزَالَ عَنْهُ ألَمُهُ، وَإِذَا كُتِبَتْ بِمِسْكٍ فِي إِنَاءِ زُجَاجٍ وَمُحِيَتْ بِمَاءِ وَرْدٍ، وَشَرِبَ ذَلِكَ المَاءَ البَلِيدُ الذي لاَ يَحْفَظُ، يَشْرَبُهُ سَبْعَةَ أيَّامٍ زَالَتْ بَلادَتُهُ وَحَفِظَ مَا يَسْمَعُ.
فَعَلَى العَاقِلِ أنْ يَتَمَسَّكَ بِالقُرْآنِ وَيُدَاوِي بِهِ مَرَضَهُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الأَثَرِ: عَنْ سَلامِ بْنِ مِسْكِينٍ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُول:ُ إنَّ القُرْآنَ يَدُلُّكُمْ عَلَى دَائِكُمْ وَدَوَائِكُمْ، أمَّا دَاؤُكُم فَذُنُوبُكُم، وَأَمَّا دَوَاؤُكُمْ فَالاِسْتِغْفَارُ. [البيهقي في شعب الإيمان، 5: 426]
فَلا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ المرَضِ أَوَّلاً، فَإِنَّهُ مَا دَامَ لَمْ يُعْرَفْ نَوْعُهُ لاَ تَتَيَسَّرُ الْمُعَالَجَةُ، وَأَهْلُ القُرآنِ العَظِيمِ هُمُ الذينَ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ، فَالسُّلُوكُ بِالْوَسِيلَةِ أَوْلَى وَهَا أنَا بِحَوِل اللهِ وَقُوَّتِهِ أكْتُبُ لَكَ هُنَا مِنْ وَسَائِلِ خَيْرِ الدُّنْيا والآخِرَةِ مِنْ حُرُوفِ القُرْآنِ وَآيَاتِهِ وَسُوَرِهِ مَا يَسُرُّ الأَصْدِقَاءَ، وَيَكْبِتُ الأَعْدَاءَ بِعَوْنِ صَاحِبِ الآلاءِ، فَأَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقِ وَهُوَ الْهَادِي إلى سَوَاءِ الطَّرِيق.
وَبِعَوْنِ اللهِ تَعَالى وَفُيُوضَاتِهِ نَشْرَعُ فِي بَيَانِ بَعْضِ خَوَاصِّ كِتَابِ رَبِّنَا الْمَعْرُوفُ، مُبْتَدِئَاً بِالكَلامِ علَى "الْبَسْمَلَة الشَّرِيْفَة" بِبَيَانِ بَعْضِ خَوَاصِّها الْمُفِيْدَةِ، فَقَدْ جاءَ فِي الأثَرِ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتِ "الْبَسْمَلَةُ الشَّرِيفَةُ" اهْتزَّتِ الْجِبَالُ لِنُزُولِهَا، وَقَالَتِ الزَّبَانِيَةُ: "مَنْ قَرَأَهَا لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ
ملحوظة
خواص البسملة موجود ضمن مواضيعي